“السياسة والهدي النبويّ” بقلم: الشيخ صفوت فريج رئيس الحركة الإسلامية

لا ينفك المسلم في جميع نواحي حياته عن الرجوع لكتاب الله وهدي نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وإلى أحكام الشريعة الإسلاميّة وفق المذاهب المعتمدة، سواء كان ذلك في العقيدة والعبادات، أو المعاملات المالية والتجارية والعمل والمعاملة مع الأهل والجيران ومقاصد الشريعة الإسلامية الخمس، وباقي أمور الحياة كالطعام والشراب والنوم والسفر، فديننا بالاضافة للعبادة في المساجد واداء الفرائض فهو ليس محصورًا بذلك، بل هو يطرق أبواب الحياة في كلّ تفاصيلها وتفصيلاتها.
وهكذا فإنّ حياة المسلم مرتبطة بعلاقة وثيقة مع شرع الله وهدي نبيّه في كلّ خطوة يخطوها أو كلمة يقولها أو حتّى صمت يلتزم به، سواء كان ذلك على الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو التحريم، فأيّ فعل يقوم به المسلم لن يخرج عن هذا التقسيم، حيث أنّ حياته عبادة لله في كلّ لحظة من حياته وفي كلّ فعل من أفعاله.
ومن الأمور التي لا بد للمؤمن أن يعود فيها إلى هدي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، هي الممارسات السياسية، فلا يظن أحد أنّه بممارسة السياسة يكون في حلٍّ من أمره عن الشرع، فالمسلم في هذه الحالة أيضًا يجب أن يعود للشرع ليحتكم له ويستدل به، فهو ملزم بالصدق والأمانة، والوفاء بالعهد، وإن كان ذلك الأمر شاقًّا، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم ردّ أبو بصير لكفّار مكّة بموجب صلح الحديبية رغم أنّه جاءه مسلمًا، وفي هذا الفعل ما فيه من صعوبات عمليّة ونفسيّة.
والقيم الإسلامية التي تحكم الممارسات السياسية كثيرة، كالشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم، وعلى كلّ مسلم يخوض غمار السياسة أن يتبع هذه القواعد وأن يعمل من خلالها، وأن يكون عادلًا في نقده وفي رؤيته وفي تعبيره، فمن هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم مدحه لحلف الفضول، وهو حلف في الجاهلية تشكّل لنصرة المظلوم، وقال عنه: “لو دعيت به لأجبت”.
ومن هديه صلّى الله عليه وسلّم السعي في مصالح الناس، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا”.
كما أنّ هناك قواعد فقهيّة لها علاقة مباشرة بالعمل السياسي، منها أنّ الشريعة جاءت لتحصيل المصالح، من ضروريّات وحاجيّات وتحسينات، وتقديم المصلحة الغالبة للظن على المصلحة المظنونة، أو المصلحة الكبيرة على الصغيرة، أو مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، أو الكثرة على القلّة، أو الدائمة على العارضة، أو الجوهريّة على الشكليّة، أو المصلحة المستقبليّة القويّة على المصلحة الآنيّة الضعيفة، وغيرها من القواعد الشرعية.
فغاية السياسية السليمة هي تحصيل المنافع وطرد المفاسد، وهذا ما يتماشى مع مقاصد شرعنا الحنيف، فحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، كلّها مقاصد عليا، وأي مجهود لحفظ مقصد من هذه المقاصد فهو يتلاقى مع ما جاءت به الشريعة لتحقيقه، وعلى هذا قال الغزالي رحمه الله: “الدين اساس والسلطان حارس”.
قد يرى البعض أنّ العمل السياسي لا علاقة له بالدين، وهذا اعتقاد خطير، سواء كان من يرى ذلك ملحدًا لا يريد أن يكون الدين جزءًا من السياسة، أو سواء كان المعترض مسلمًا يرى أنّ الممارسة السياسة بشعة ووجب عزلها عن الدين، ممّا يؤدّي لدى البعض إلى حصول حالة استهجان إذا ما استشهد سياسي بنصّ ديني، وكلا الحالتين أمرهما خطير، حيث أنّ النتيجة واحدة وهي فصل الدين عن السياسة، وهذا ما لا يقبله شرع ولا دين.
وإن كان هذا هو الحال بالعموم، فحالتنا الخاصّة هنا كأقلّيّة أصحاب الأرض والحقّ تفرض علينا دينيًّا أن تكون السياسة أحد ادوات عملنا، كي نمكّن للناس في بيوتها وأراضيها، وهو واجب وفرض، إن لم نتعامل بالسياسة، فنجلب حقًّا وندفع ضررًا.
كيف نحارب القتل والسوق السوداء وعصابات الإجرام، إن لم نؤثّر سياسيًّا على أصحاب القرار ليقوموا بواجبهم؟ كيف يكون لنا دور في توظيف الإنسان المناسب في المكان المناسب، ونحارب الغشّ والتزوير والخداع، إن أغفلنا الجانب السياسي؟.
رحم الله ابن المبارك وهو يرسل للفضيل ابن عياض، وهو من هو في إخلاص العبادة: يا عابدَ الحَرَمينِ لوْ أبصرْتَنا، لَعلمْتَ أنّك في العبادةِ تَلْعبُ.